أقرّ مجلس الأمة في مداولته الأولى، بأغلبية ساحقة، اقتراح قانون تأسيس شركات إنشاء المدن الإسكانية. ومع تقديري لحُسن نوايا مقدمي الاقتراح ورغبتهم في إيجاد حل جذري لأزمة السكن، وبالأخص النائب د. عبدالعزيز الصقعبي، المهتم بهذا الملف منذ المجلس الماضي، إلا إنني أخشى أن يكون مصير هذا القانون، مثل مصير قوانين كثيرة أقرها المجلس بالسابق وآلت إلى الفشل، بالرغم من حُسن نوايا مقدميها. أقول هذا لأن فكرة القانون بالأساس متناقضة، فهي تحاول المزاوجة بين توفير السكن بأقل الأسعار وفي نفس الوقت تحقيق ربح للمواطن المكتتب بالشركة. كما وضع القانون قيودا وأحمالا على الشريك الاستراتيجي (المطور العقاري)، مما يجعل فكرة المشروع غير جاذبة للمطورين العالميين. فمثلا، المادة 4 تنص على أن تباع حصة الشريك الاستراتيجي في الشركة بالمزاد بين المتنافسين، وهذا يعني أن الفائز بالمزايدة عليه تكاليف كبيرة نتيجة شراء هذه الحصة بالمزاد العام وليس بالقيمة الاسمية. وإذا أضفنا إلى ذلك تكاليف إنشاء وتجهيز البنية التحتية والشوارع، ومن ثم تكلفة بناء المنازل، وأيضا تحقيق الحياد الكربوني، كما نصّت المادة 2، وهو أمر مكلف وصعب المنال، فهذا يعني أن الشريك الاستراتيجي سيكون مضطرا لبيع الأراضي والمنازل والشقق بأسعار عالية لتغطية كل هذه التكاليف، وهذا خلاف لرغبات الناس الذين يبحثون عن أسعار معقولة للسكن. الاكتتابات مهمة بلا شك، لكنّ تطبيقها بمثل هذا المجال في غير محله. وإن كان النواب مهتمين بإيجاد مصادر دخل إضافية للمواطنين، فالأولى طرح الخدمات التي تسيطر عليها الدولة للاكتتاب العام، مثلما تفعل دول الخليج، والتي امتدت إلى قطاعات الطاقة والبتروكيماويات، بينما لا تزال الكويت متأخرة جدا في المجال، وقد أسهب الزميل محمد البغلي في الحديث عن فرص الاكتتابات الضائعة في مقاله ب «الجريدة» بتاريخ 22 ديسمبر الماضي. كما فرضت المادة 11 هامش ربح معيّنا على بيع الوحدات، وهو أمر غير عملي وصعب التحقق منه، وسيؤثر على جودة البناء. وفرضت المادة 20 غرامات تأخير تسليم الوحدات على الشركة، إضافة إلى المادة 21 التي أعطت المشتري حق فسخ عقد البيع واسترجاع كامل المبلغ المدفوع، مع تعويض 20 بالمئة في حال قامت الشركة بتغيير مواصفات البناء أو المواد المستخدمة فيه، حتى لو كانت قيمة تلك التغييرات فقط 100 دينار مثلا.
فمثل هذه القيود والغرامات ترفع مخاطر الدخول في مثل هذا الاستثمار ليس على الشريك الاستراتيجي فحسب، بل على المواطن المكتتب بهذه الشركة أيضا! وقد بيّن الزميل محمد رمضان، في مقاله ب «القبس» بتاريخ 2 الجاري، كيف أن قوانين مشابهة أقرت في السابق، لكن لم تكن لها جدوى اقتصادية، وفشلت في النهاية! والمشكلة الأخرى أن هذا القانون لا يأتي ضمن تصور واضح لاقتصاد الدولة بشكل عام. فمع التوسع العمراني غربا وشمالا وجنوبا، هل المطلوب من غالبية ساكنيها التنقل للعاصمة للعمل في مؤسسات الدولة؟ وماذا عن المقيمين؟ فهل المطلوب استمرار تكديس المقيمين في مناطق كثافة عمرانية وبشرية عالية، كما هو الوضع حاليا، مما أوجد مشاكل أخرى أهمها الزحمة المرورية؟ من ناحية أخرى، يصرّ مقدمو القانون المقترح على تسويق الوحدات حسب أولوية تسجيل الطلب الإسكاني. ومع تقديري لحرص النواب على إيجاد حل شعبي لأزمة السكن، لكنهم بحاجة إلى مصارحة الشعب بالحقيقة المرّة، وهي أن نظام (أرض وقرض) انتهت صلاحيته منذ زمن طويل. ففي ظل النظام الحالي، مطلوب من المواطن توقيع عقود توريد متعدد ومراجعة مواصفات بمختلف التخصصات الميكانيكية والكهربائية وغيرها، والتعامل مع مقاولين، وهو بالأساس شخص غير متخصص. فحتى في شركات التطوير العقاري لا يوجد شخص واحد متخصص في جميع المجالات. هذا النظام مكلف ومرهق للمواطن ويفتح أبوابا عديدة للنصب والاحتيال. ولذلك المطلوب هو تغيير جذري في فلسفة توفير السكن، وذلك بتوفير المزيد من الأراضي للمشاريع الإسكانية دفعة واحدة، وحصر تأهيلها وبناء المنتجات العقارية فيها للمطورين العقاريين فقط دون تدخّل الدولة حتى يقوموا هم بإعمارها وترتيبها وتوفير البنية التحتية لها وبيعها بأسعار معقولة لقائمة المنتظرين، بدلا من أن تحمل الدولة على عاتقها تنفيذ كل هذه المشاريع. ومن مزايا هذه السياسة توفير أموال الدولة، وفتح الباب لإبداع المطورين في تصميم المناطق والمنازل والخدمات والمساحات الخضراء وممرات المشاة، وغيرها من الأمور التي تعانيها المناطق الحالية. ويمكن لهؤلاء المطورين أن يطرحوا عدة نماذج للسكن، مثل الشقق في عمارات سكنية عصرية، والمنازل المتوسطة الحجم (Town Houses) -على عكس المادة 9 من القانون المقترح التي اشترطت ألا تقل مساحة أي منتج عن 400 متر مربع- وأخيرا المنازل الكبيرة. وبذلك تستطيع الأسرة في بدايتها شراء شقة، ومن ثم بيعها وشراء منزل متوسط الحجم مع زيادة عدد الأطفال، وأخيرا الانتقال إلى منزل كبير. وبذلك تستطيع هذه الأسرة دفع أقساطها منذ البداية على تملّك أصل قابل للبيع، بدلا من الوضع الحالي الذي تضطر فيه الأسرة إلى السكن في شقق صغيرة لسنوات طويلة وإضاعة عشرات الآلاف من أموالها على الإيجار، لتنتقل بعدها مباشرة إلى منزل كبير. ولن تكون هناك حاجة إلى اختراع العجلة من جديد، لأننا نستطيع الاستفادة من نماذج ناجحة لعمل المطورين العقاريين في دول مجاورة وخاصة الإمارات، إضافة إلى مدن أجنبية مثل العاصمة النمساوية فيينا المعروفة بتجربتها الناجحة في توفير السكن بأسعار مناسبة على مدى سنوات طويلة. المسألة الأساسية هي توفير الأراضي للمطورين العقاريين، حيث يزيد العرض عن الطلب. حينها لن نحتاج أصلا إلى نظام أولوية تسجيل الطلبات لدى مؤسسة الرعاية السكنية، ولن نحتاج إلى فرض هامش ربح على المطور العقاري، لأننا سنخلق سوقا مفتوحا تتوافر فيه المنتجات العقارية بكثرة، حيث يضطر المطور إلى الاكتفاء بهامش ربح معقول، بدلا من الوضع الحالي الذي يقل فيه العرض ويكثر الطلب. ويمكننا حينها أيضا فتح المجال للمقيمين لتملّك الشقق والمنازل المتوسطة الحجم على الأقل لتشجيع الاندماج والتكامل، بدلا من سياسة الفصل العنصري الفاشلة التي نرى آثارها السلبية اليوم.
News source https://www.aljarida.com/article/10393