قال تقرير بنك الكويت الوطني إن البيانات الرسمية النقدية والمصرفية والاستهلاكية واصلت في الربع الأول من عام 2023 إعطاء مؤشرات دالة على عودة الاقتصاد الكويتي غير النفطي إلى طبيعته بعد الجائحة. وأشارت المؤشرات الرائدة مثل الإنفاق الاستهلاكي والمبيعات العقارية والائتمان المصرفي إلى اعتدال وتيرة النشاط غير النفطي وسط استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتشديد الأوضاع النقدية وتراجع ظروف الاقتصاد الكلي العالمي. إلا أنه ضمن التطورات الإيجابية التي شهدها الربع الأول من عام 2023 جاء انتعاش أنشطة المشاريع مما يشير إلى تزايد الزخم إلى حد ما وإن كان ذلك بالمقارنة بمستويات منخفضة من العام الماضي. كما أن تزايد أعداد العمالة الوافدة في عام 2022، كما يتضح من البيانات الرسمية للتعداد السكاني الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية، والمتوقع أن يشارك العديد منهم في تنفيذ المشاريع، الأمر الذي يرسم صورة إيجابية إلى حد ما للاقتصاد الكلي على الرغم من التحديات. وشمل ذلك في الربع الأول من عام 2023 ظهور بعض الاضطرابات على الصعيد السياسي، والتي بلغت ذروتها باستقالة الحكومة وقيام المحكمة الدستورية بإبطال انتخابات مجلس الأمة لعام 2022 لأسباب إجرائية واعادتها مجلس الأمة السابق. ومنذ ذلك الحين صدر مرسوم أميري بحل مجلس أمة 2020 والدعوة لإجراء انتخابات جديدة في 6 يونيو.
الإنفاق الاستهلاكي
كشفت البيانات الصادرة عن بنك الكويت المركزي عن ارتفاع قيمة معاملات بطاقات الائتمان وبطاقات السحب الآلي (كمؤشر على الإنفاق الاستهلاكي) بنسبة %13.8 على أساس سنوي (%3.8 على أساس ربع سنوي) في الربع الأول من عام 2023. في حين تباطأت وتيرة نمو الإنفاق المحلي إلى %13.4 على أساس سنوي مقابل %14.7 في الربع الرابع من عام 2022، ونما الإنفاق في الخارج بنسبة %19.8 على أساس سنوي مقابل %6.9 في الربع السابق.
وعلى الرغم من أن البيانات لا تزال قوية، فإنها تعكس عودة أنشطة الأعمال إلى مستوياتها الطبيعية في أعقاب الارتفاع الذي شهدته بعد الجائحة ونتيجة لاستمرار ارتفاع معدلات التضخم وتزايد تكاليف الاقتراض. وتشير التوقعات إلى اعتدال وتيرة نمو الإنفاق في المستقبل، على أن تتلقى المزيد من الدعم بفضل مسودة الموازنة التوسعية للسنة المالية 2023–2024 التي عرضتها الحكومة على مجلس الأمة والتي لم يتم إقرارها بعد.
تراجع النشاط العقاري
على صعيد القطاع العقاري، فقد بدأ الطلب في التراجع مع انحسار الطفرة التي أعقبت الجائحة وعودة النشاط للاقتراب من المستويات الطبيعية. وساهم عدد من العوامل في هذا التراجع من ضمنها ارتفاع تقييمات القطاع السكني، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وضبابية أوضاع بيئة الاقتصاد الكلي - خاصة في ما يتعلق بإصلاحات دعم المرافق والتوزيع الحكومي لقسائم الأراضي. إذ انخفض إجمالي قيمة المبيعات العقارية إلى 714 مليون دينار في الربع الأول من عام 2023 (–%15 على أساس ربع سنوي، –%20 على أساس سنوي)، في حين يعد أدنى المستويات المسجلة منذ الربع الثالث من عام 2020. وانخفض نشاط القطاع السكني (–%24 على أساس ربع سنوي) والاستثماري (–%5.3 على أساس ربع سنوي)، بينما ارتفعت مبيعات العقار التجاري (+ %5.5 على أساس ربع سنوي). وقد تكون بعض العوامل الموسمية، مثل شهر رمضان المبارك، الذي شملت المقارنة السنوية جزءاً منه، قد ساهمت أيضاً في تقليص النشاط مقارنة بالعام الماضي، حيث تراجعت كمية الصفقات بصورة ملحوظة (–%34 على أساس سنوي). وعلى الرغم من تراجع أسعار العقارات (السكنية والاستثمارية) في الربع الأول من العام، فإنها لا تزال مرتفعة بنسبة %4.7 على أساس سنوي.
إسناد المشاريع
تسارعت وتيرة اسناد المشاريع في الربع الأول من عام 2023، مسجلة بذلك الزيادة الثانية على التوالي على أساس ربع سنوي، إذ تجاوزت قيمة العقود المسندة 527 مليون دينار (+ %78 على أساس ربع سنوي، + %332 على أساس سنوي).
ويعزى هذا النمو بصفة رئيسية إلى المشاريع التي أسندتها وزارة الكهرباء والمياه والهيئة العامة للإسكان. وقد شكلت القيمة التراكمية للمشاريع المسندة في الربع الأول من عام 2023 ما يعادل نحو ثلاثة أرباع قيمة المشاريع المسندة في عام 2022 بأكمله. وتوقعت مجلة MEED أن تصل قيمة المشاريع المسندة في عام 2023 إلى 8.4 مليارات دينار، وإذ حدث ذلك بالفعل، فسوف يكون بمنزلة تحسن كبير عن مستويات العام الماضي.
فائض مالي
في ظل ارتفاع أسعار النفط، تحسنت الأوضاع المالية في الكويت بصورة كبيرة خلال السنة المالية المنتهية لتوها (السنة المالية 2022–2023). ووفقاً لتقديراتنا، تحول الميزان المالي لتسجيل فائض قدره 5.2 مليارات دينار (%9.6 من الناتج المحلي الإجمالي) مقابل عجز قدره 3.0 مليارات دينار (%7.1 من الناتج المحلي الإجمالي) في العام السابق. وفي حالة قيام وزارة المالية بتأكيد ذلك، سيكون هذا أول فائض تسجله الكويت منذ ثماني سنوات. ويعتمد تقديرنا على تقليص الحكومة لنمو النفقات ذلك العام إلى %1.5 على أساس سنوي.
في المقابل، فإن مسودة الموازنة للسنة المالية 2023–2024، والتي يجب مصادقة مجلس الأمة القادم عليها، قد تشهد ارتفاع النفقات بنسبة %12 على أساس سنوي (مقارنة بالموازنة السابقة) إلى 26.3 مليار دينار، مع توقع انخفاض كبير للإيرادات بنسبة %17 لتصل إلى 19.5 مليار دينار (وفقاً للسعر الافتراضي لبرميل النفط البالغ 70 دولاراً). وقد يؤدي ذلك إلى تحويل الفائض المتوقع للعام الماضي إلى عجز قدره 6.8 مليارات دينار (%13 من الناتج المحلي الإجمالي).
الحد من البيروقراطية
قال تقرير الوطني إنه من المقرر أن يستفيد سوق المشاريع في الكويت بشكل كبير من قيام الحكومة والبرلمان بالعمل بأقصى طاقة، مما يسهم في الحد من التأخيرات البيروقراطية بما في ذلك توفير العمالة اللازمة والمواد الخام.
تحفيز النشاط العقاري
قال التقرير إن تسريع وتيرة توزيع قسائم الأراضي قد يسهم في تحفيز النشاط العقاري. وكان بنك الائتمان الكويتي، الذي يتم من خلاله تخصيص القسائم ومنح القروض السكنية، قد تقدم بطلب لزيادة رأسماله بقيمة 275 مليون دينار لتلبية التراكم الكبير للطلبات (90915 طلباً كما في مارس 2023). وإذا تمت الموافقة على هذا الطلب، فقد يسهم ذلك أيضاً في تسريع وتحفيز نشاط القطاع. من جهة أخرى، فإن قانون الرهن العقاري الذي طال انتظاره، وإن كان من غير المتوقع أن يتم إقراره هذا العام، من شأنه أيضاً أن يعزز نشاط وإقراض القطاع العقاري بمجرد بدء العمل به.