في عام 1913، أصدر الكونغرس الأميركي قانون الاحتياطي الفيدرالي، مُرسخاً بذلك مكانته كبنك مركزي، ومنذ ذلك الحين، لعب مجلس الاحتياطي الفيدرالي دوراً حاسماً في توجيه السياسة النقدية الأميركية ودرء التحديات الاقتصادية.
ومنذ نشأته يستخدم «الفيدرالي» الفائدة كسلاح ضد النقيضين، فيشهره تارة في حالة الكساد والبطالة وأيضاً مع التضخم، فبخفض الفائدة، يواجه الكساد حيث يسهل هذا الاتجاه نمو الائتمان، ما يُشجع الشركات على التوسع وخلق فرص العمل، كما أن رفع الفائدة سلاح معتاد الاستخدام في مكافحة التضخم بهدف التحكم في المعروض النقدي الموجه للصرف الاستهلاكي، ما يطرح السؤال الذهبي: لماذا تستخدم البنوك المركزية الفائدة كسلاح رئيس في كل الأزمات؟ والأهم... هل «الفيدرالي» والبنوك المركزية على حق دائماً في ضبط الأسواق باتجاهات الفائدة خلال الأزمات لا سيما القاسية؟
مبدئياً، شهدت السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تحولات ملحوظة على مر السنين، من مكافحة التضخم المرتفع في ثمانينيات القرن الماضي، إلى التعامل مع فترات الركود والأزمات المالية في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، ومر العصر الحالي بجائحة وارتفاع حاد في التضخم، ما أدى إلى أكبر زيادات في أسعار الفائدة منذ 40 عاماً.
ضبط السوق
ويعد سلاح الفائدة، أحد أهم أدوات الفيدرالي المالية للرقابة على السوق المالي وتحديد السياسية النقدية للبلاد، ودائماً ما يستخدمه في مواجهة التضخم أو الكساد، ولعل الدروس التي استفاد منها الفيدرالي، خلال أزمة الكساد الكبير، التي حدثت بين 1929 و1939، كانت السبب في حذره الدائم عند استخدام هذا السلاح لضبط الأسواق.
وأجمع علماء الاقتصاد أن عدم قيام الفيدرالي وقتها بخفض أسعار الفائدة، وإحجامه عن زيادة القاعدة النقدية، وعدم ضخ سيولة في النظام المصرفي، لمنعه من الانهيار، كان من أهم أسباب الكساد، ما نتج عنه اختفاء ثلث البنوك بسبب الإفلاس، وانخفاض ثروة المساهمين فيها وفقدان الثقة في النظام المصرفي، والأهم من ذلك الانكماش النقدي بنسبة 35 في المئة، وانخفاض الأسعار بنسبة 33 في المئة.
وفي أزمة الثمانينات، بلغ التضخم في بداية 1980 نحو 14.6 في المئة ليصل في نهاية العام إلى 19-20 في المئة وهو أعلى مستوى له على الاطلاق، نتيجةً لذلك، ارتفعت تكاليف اقتراض المستهلكين بشكل حاد، ليصل متوسط سعر الفائدة على الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عاماً إلى أعلى مستوى على الإطلاق بما يقارب 20 في المئة.
تحركات تاريخية
ولـ«الفيدرالي» تحركات تاريخية في استخدام أسعار الفائدة ضمن سياسة نقدية متشددة، وبطريقة تعتمد على الحد من نمو المعروض النقدي، بدلاً من استهداف أسعار الفائدة بشكل مباشر، وهي الطريقة التي يتحكم بها المسؤولون في التضخم اليوم، ليفتعل ركوداً اقتصادياً لخفض الأسعار، وذلك بخفضه أسعار الفائدة بشكل حاد إلى نطاق مستهدف خلال هذه الفترة التي امتدت لعشر سنوات.
أما في فترة ما قبل الأزمة التي امتدت من 2004- 2006 تمت زيادة الفائدة 17 مرة بـ 25 نقطة أساس في كل مرة، لترتفع الفائدة بشكل كبير وبنحو 425 نقطة، الأمر الذي أثر على سوق الائتمان الأميركي ليؤدي إلى تغيرات اقتصادية كبيرة أفضت في النهاية إلى حدوث الأزمة المالية العالمية، إذ أُلقي باللوم على سياسات «الفيدرالي» في تأجيج فقاعات الأصول التي أدت إلى فقاعة الرهن العقاري التي أشعلت شرارة الأزمة
المالية عام 2008.
الأسوأ من نوعها
وانفجرت الأزمة المالية العالمية 2007–2008 في سبتمبر 2008، والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير 1929، والتي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية ثم امتدت إلى دول العالم ليشمل أوروبا وآسيا والخليج والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأميركي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال 2008 إلى 19 بنكاً.
وكرد فعل، خفض «الفيدرالي» الفائدة 10 مرات، منها 3 في 2007 و7 في 2008، حيث تم خفض 50 نقطة 4 مرات، و25 نقطة 3 مرات، وإضافة 75 نقطة 3 مرات، ليبلغ مجموع الخفض وقتها نحو 500 نقطة أساس.
التشدد النقدي
ومع إعلان تحول فيروس «كورونا» إلى جائحة، عقد «الفيدرالي» اجتماعين طارئين في 2020، خفض الفائدة فيهما بـ50 نقطة و100 نقطة، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها لمواجهة الجائحة.
وبعد «كورونا» بدأ «الفيدرالي» بتبني سياسة التشديد النقدي لاحتواء التضخم في مارس 2022، عندما رفع معدل الفائدة 25 نقطة أساس إلى مستوى بين 0.25 في المئة و0.50 في المئة، ليزيد وتيرة الرفع في 6 اجتماعات لاحقة ليصل معدل الفائدة بنهاية 2022 عند مستوى 4.25 في المئة و4.5 في المئة.
وفي 2023، خفف «الفيدرالي» من وتيرة الرفع، حيث رفع معدل الفائدة 4 مرات، وثبتها في 4 مرات ليصل مستوى الفائدة، إلى 5.25 في المئة و5.5 في المئة كأعلى مستوى لها في 23 عاماً.
وفي 2024 ثبّت «الفيدرالي» أسعار الفائدة في 5 اجتماعات متتالية، لينهي في 19 سبتمبر الماضي سياسة التشدد التي استمرت 3 سنوات بخفض 50 نقطة أساس، ثم تبعه باجتماعين آخرين، خفض فيهما 25 نقطة في كل اجتماع.
«المركزي»رفع الفائدة
9 مرات من 2022 إلى 2023
اتسمت دورة التشديد النقدي لبنك الكويت المركزي خلال الفترة من 2022 إلى 2023 برفع الفائدة 9 مرات، بهدف تحقيق التوازن بالمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي والحفاظ على قوة وتنافسية الدينار مقابل الدولار، وأيضاً مواكبة لخطى «الفيدرالي».
ورفع «المركزي» الفائدة 7 مرات خلال 2022، الأول في 16 مارس ليرتفع سعر الخصم من 1.5 في المئة إلى 1.75 في المئة، ثم إلى 2 في المئة في 4 مايو وإلى 2.25 في المئة بـ15 يونيو وإلى 2.5 في المئة في 27 يوليو ثم 2.75 في المئة في 10 أغسطس، وإلى 3 في المئة في 21 سبتمبر، وإلى 3.5 في المئة في 6 ديسمبر 2022.
أما في 2023 فأقر «المركزي» رفعين لسعر الخصم، الأول كان خلال يناير بواقع نصف نقطة مئوية ليصبح 4 في المئة والثاني 27 يوليو بواقع 25 نقطة أساس ليصبح 4.25 في المئة.
وفيما أعطى إشارات على انتهاء دورة التشديد النقدي خفض «المركزي» في 19 سبتمبر 2024 سعر الخصم 25 نقطة أساس ليصبح 4 في المئة، فيما خالف «الفيدرالي» في اجتماعين، حيث ابقى على سعر الخصم دون تغيير، رغم خفض «الفيدرالي» في اجتماعي 7 نوفمبر و18 ديسمبر.
ترقب اجتماع «الفيدرالي» منتصف الجاري...لأول خفض في 2025
تترقب الأسواق المحلية والعالمية نتائج اجتماع «الفيدرالي» 17 و18 الشهر الجاري، فرغم تثبته للفائدة آخر 3 اجتماعات، يتوقع إقرار خفضه الأول للفائدة في 2025 باجتماعه الرابع لهذا العام.
ويتراوح معدل الاقتراض الرئيسي لـ«الفيدرالي» حالياً بين 4.25 و4.5 في المئة، وكان أعلن أنه سيخفض الفائدة مرتين فقط في 2025، حيث أكد في اجتماعه الأخير على ضرورة التأني وانتظار صدور مزيد من البيانات قبل تحريك الفائدة بسبب تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي.