محمود الزاهي -
استعرض أدباء ومثقفون، جزءاً عزيزاً من تاريخ الكويت الفني والثقافي، في أولى الحلقات الحوارية لموسم «ذاكرة الأندلس» الثقافي، الذي افتتح فعالياته بالحديث عن تاريخ سينما ومسرح الأندلس، بالتعاون بين شركة أجيال العقارية وأكاديمية لوياك للفنون «لابا»، ومشاركة عدد من المفكرين والرواد والكتاب.
وأثرى رئيس تحرير القبس الزميل وليد النصف الحلقة التي أدارها كل من الزميل حمزة عليان والناقدة الفنية ليلى أحمد، بحديث شيق عن نشأة صناعة السينما في البلاد، لافتاً إلى ما تميز به المؤسسون من حسٍّ وطني وعروبي كبير، تميزت به الكويت ولا تزال، إذ كان يُقتطع جزء من ثمن تذكرة الدخول لإرساله إلى الجزائر لمساعدة شعبها على الانعتاق من الاستعمار آنذاك، كما خُصص جزء من الحصيلة لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية في كفاحها ضد الاحتلال الصهيوني.
بدورها، قالت رئيسة مجلس إدارة «لوياك» العضوة المنتدبة لـ«أكاديمية لابا» فارعة السقاف: إن الحلقات الحوارية ستتواصل بشكل شهري، مشيرة إلى عقد حلقة في أواخر نوفمبر الجاري، يتمّ تصميمها بشكلٍ تفاعليّ يحيي التاريخ والذاكرة صوتًا وصورة.
فقد احتضن مشروع «الأندلس» بمنطقة حولي، أولى الحلقات الحوارية لموسمه الثقافي، بعنوان «ذاكرة الأندلس»، وجرى خلالها استعراض تاريخ سينما ومسرح الأندلس، بمشاركة عدد من الأدباء والمثقفين والمفكرين والكتاب والرواد، وأداره كل من الزميل حمزة عليان والناقدة الفنية ليلى أحمد.
استهلت الحلقة الحواريّة بكلمةٍ افتتاحيّةٍ لرئيسة مجلس إدارة «لوياك» والعضوة المنتدبة لـ«أكاديمية لوياك للفنون ـ لابا»، فارعة السقاف، التي أملت في «أن تكون الحلقة بدايةً جميلةً لموسمٍ ثقافيّ مهم يحتضنه المكان، انطلاقاً من ذاكرة الأندلس خلال الفترة الممتدّة بين عام 1960 و1965، كونها ذاكرة المكان الذي كان يحتضن سينما وصالة عرضٍ استثنائيّة، كانت الكبرى في الشرق الأوسط والأهمّ».
ولفتت السقاف إلى أنّ «الحلقة الحواريّة المقبلة أواخر نوفمبر الحالي، ستشمل الفترة الممتدّة من عام 1966 وحتّى نهاية الستينيّات، وستكون الحلقات شهريّة.
وكشفت عن أنّهم «بصدد إعادة إحياء إحدى حفلات سينما الأندلس أيام الستينيّات، والتي أحياها حينها الفنان الكبير وديع الصافي وفرقة الأنوار اللبنانية، فالحفلة التي سنعيد فيها البرنامج ذاته والأغاني نفسها، سيحييها منتصف نوفمبر نجل الراحل الفنان جورج الصافي بمواكبة فرقة «لابا» الموسيقيّة.
تاريخ هندسي
بدوره، قال أحد رواد جيل المهندسين الأوائل في الكويت م. صباح الريس: إن كثيراً من الشعراء نظموا الشعر خلال مطلع القرن الماضي للتغزل بقرية حولي ومزاياها آنذاك.
وأضاف الريس أن استعراض التاريخ الهندسي لها، في ذلك الوقت، يشير إلى التأثر بأحداث سنة الهدامة في 1934، إذ تسبب انهيار السد في أضرار كبيرة للقرية ليعاد تعميرها بعدها، مشيراً إلى أن مبنى سينما ومسرح حولي «صممته شركة السينما في مطلع ستينيات القرن الماضي».
وذكر أن المبنى «كان أحد أعلى مباني الكويت آنذاك، إذ وصل ارتفاعه إلى 5 طوابق بارتفاع 20 متراً، وهو ارتفاع مبنى البلدية نفسه، وقام بتصميمه المهندس المصري المرموق سيد كريم وهو من تولى تصميم منطقة الصباح الطبية وغيرها من الأماكن».
وأضاف أنه خلال تلك الفترة كان مستوى العمارة في البلاد سيئاً بسبب غياب الرقابة، لذا شكلت البلدية لجنة فنية كانت مهمتها تخطيط معالم مدينة الكويت، وبالتالي جاء إنشاء مبانٍ مثل سينما الأندلس وصندوق التنمية والأبراج ومبنى المطار من خلال مهندسين عالميين معروفين.
إهمال التراث
أشار الريس إلى أن مبنى ومسرح الأندلس تميز بتصميم سابق لآوانه، إذ راعى المصمم وقتها متطلبات السينما والمسرح والعروض المختلفة التي تقام بالمكان.
وعن رأيه في إزالة سينما ومسرح الأندلس، قال الريس إنه يستشهد بما ذكره الراحل طارق السيد رجب بأن الكويت تبرعت للحفاظ على التراث في أكثر من مكان، لكنها لم تفعل ذلك مع تراثها الخاص، وهذا ما حدث مع إزالة البهيتة والسور وأبراجه المختلفة، وحدث كذلك مع إزالة سينما ومسرح الأندلس.
البداية في 1954
بدوره، استعرض رئيس تحرير القبس وأحد رواد شركة السينما الزميل وليد النصف تاريخ نشأة صناعة السينما في البلاد، مشيراً إلى أنه في أعقاب تأسيس بنك الكويت الوطني، وتحديداً في 1954، استدعى أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم 5 أشخاص وطلب منهم إنشاء سينما، ومنحهم وقتها امتيازاً لمدة 50 عاماً، لتنطلق شركة السينما برأسمال قدره مليون ومئة ألف روبية.
وذكر النصف أنه في 1955 استأجر أحد المنازل لشركة السينما بـ44 ألف روبية، وتم وضع كراسي للجمهور، وخصص يوم الإثنين للسيدات، وانطلقت السينما وحين فوجئ المسؤولون عن السينما بزيادة حجم الإيرادات السائلة ـ الكاش، ذهبوا للشيخ عبدالله الجابر وعرضوا شراء أرض الحمراء، وكانت مساحتها 12 ألف متر2، وبالفعل بيعت الأرض للشركة.
ولفت إلى أن أهمية إقامة المشروع في حولي، جاءت من إشاعة بتوافر مياه في تلك القرية في ذلك الوقت، ما جعل الكثير من المواطنين يقبلون على السكن فيها، مشيراً إلى أن أول سينما أنشئت في الخليج كانت في البحرين عام 1920، تلتها سينما أقامها الإنكليز لجنودهم في الشارقة عام 1945 وكانت سينما مكشوفة.
تبرعات للخارج
أشار النصف إلى أن السينما كنشاط فني وثقافي حقيقي، انطلقت من الكويت مع تأسيس شركة السينما، مشيدا بالحسّ الوطني الذي تحلى به مؤسسو شركة السينما، إذ كانوا يساهمون حينذاك بجزء من الأرباح وارساله إلى الجزائر لمساعدتها على مناهضة الاستعمار، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية.
وذكر أنه حين تولى مسؤولية شركة السينما وجد مبلغ 60 ألف دينار، وحين سأل عنها أخبروه بأنها لمصلحة منظمة التحرير، فقام بتسليمها للجنة الشعبية لجمع التبرعات.
ولفت إلى أن «التطور الكبير حدث بعد تأسيس سينما الحمراء، لكن حين حدثت أزمة المناخ تعرضت شركة السينما إلى خسائر كبيرة، وكان الحل لإنقاذ السينما هو بيع أرض مملوكة لها، وقد تواصلت وقتها مع المسؤولين على أمل أن تقوم الحكومة بشراء موقع سينما ومسرح الأندلس والحفاظ عليه معلما تراثيا، لكن ذلك لم يحدث، فاضطرت شركة السينما في النهاية الى بيع جزء من أرض الأندلس التي تملكها لتغطية خسائرها».
نقلة كبيرة
وأوضح النصف أن «النقلة الثانية التي شهدتها صناعة السينما في الكويت كانت عبر إنشاء سينما السيارات، بتوجيه من أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد»، مبيناً أنه «في احدى السنوات استدعاني الشيخ جابر ـــ رحمه الله ـــ وطلب مني إنشاء دارين لسينما السيارات، إحداهما في الأحمدي والأخرى في الجهراء، وبالفعل أنشئت واحدة في الأحمدي بعد الحصول على قطعة الأرض اللازمة».
ولفت إلى أنه «بعد إنشاء سينما الأحمدي فوجئنا بأنه لا حضور من الجمهور، فتم التراجع عن إنشاء سينما سيارات الجهراء، خوفاً من عدم إقبال الجمهور».
وأوضح أنه «في أعقاب الغزو، اتصل بي الراحل جاسم المرزوق وأخبرني بعزمه إنشاء سينما في الفنار وطلب تأجيرها منه، وبالاستعلام من البلدية اتضح أنه من حق أي صاحب مجمع إنشاء سينما، على ألا تحسب من نسبة التجاري، ولذا فتح المجال لإنشاء السينمات في المجمعات منذ ذلك الوقت، وقامت شركة السينما بتأجيرها وحققت سينما المجمعات نجاحاً كبيراً».
مركز ثقافي للأسرة
قال الناقد والكاتب عبدالمحسن مظفر إن سينما الأندلس مثلت له ولأسرته مركزاً ثقافياً شهد العديد من اللقاءات المقامة فيه، وأضاف: {يوم الخميس كان يوماً مخصصاً للأسرة كنت اصطحب أبنائي للحفلات التي كانت تقام على مسرح سينما الأندلس وثقافتي السينمائية أخذتها من هناك».
أم كلثوم وفيروز
قال نائب الرئيس التنفيذي لشركة أجيال عبدالوهاب العريفان: قمنا ببناء مشروع الأندلس، لتميّز موقعه الاستراتيجيّ مكان سينما الأندلس القديمة، والتي تمثّل تاريخًا كبيرًا.
واضاف العريفان: تمّ الاتفاق مع «لابا» على تنظيم فعالياتٍ تواكب افتتاح مشروع الأندلس، من حفلاتٍ موسيقيّة ومحاضراتٍ وندواتٍ ثقافيّة، تسهم في إثراء الشارع المحلّي وإبراز دورنا الاجتماعيّ عبر إعادة إحياء التاريخ القديم لسينما الأندلس، نظرًا لرمزيّتها وأهميّتها المعنويّة والتاريخيّة والثقافيّة بالنسبة للمجتمع الكويتي، فالبرامج الثقافية من أولويّات مسؤوليّتنا المجتمعيّة في «أجيال»، و«لوياك» خير من ينفّذها.
وقال: كان الرعيل الأول من أهل الكويت يحرص على حضور حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ وفيروز وغيرهم من العمالقة الذين اعتلوا خشبة مسرح سينما الأندلس.
سينما منزلية
قالت الناقدة ليلى أحمد إن منطقة حولي كانت مقصداً لمحبي النزهة والخروج في فصلي الشتاء والصيف، وقد ازدانت بمبنى سينما حولي في ستينيات القرن الماضي، وقد عرفت بسكانها من أبناء الكويت الذين كانوا شغوفين بالسينما وعروضها داخل منازلهم، لذا تم اختيار المنطقة لتكون مقراً لسينما ومسرح الأندلس.
معلم ثقافي بارز
قال الكاتب الصحافي الزميل حمزة عليان: إن سينما الأندلس كانت الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وليس في الخليج فقط، وكانت أول سينما مغطاة تقام في الكويت. وأشار عليان إلى أن افتتاح سينما الأندلس كان في 20 مايو 1961، بالتزامن مع استقلال البلاد، وبرزت معلما ثقافيا مهما بين معالم الكويت في ذلك الوقت.
وذكر أن الزميل وليد النصف تولى مسؤولية شركة السينما الكويتية بين عامي 1978 و1999، وقد أنشئت سينما الأندلس عام 1961 وأغلقت 1993 وتم هدمها في 1994.
من ذاكرة «الأندلس»
1691 تاريخ افتتاح سينما الأندلس
1993 السنة التي أغلقت فيها السينما
1994 تاريخ هدمهاوإزالة معالمها
«لابا» تثري المشروع
• حفلات موسيقية ومحاضرات وندوات وليالٍ ثقافيّة
• إحياء تاريخ سينما الأندلس وإبراز دورها الاجتماعي
• استحضار رمزيتها المعنوية والتاريخية