منذ بدأت الدولة في توفير مساكن للمواطنين أو تمويل بناء المساكن لهم، وهي تقوم بالصرف على مشاريع الإسكان بشكل مباشر من الموازنة العامة، واقتصر دور القطاع الخاص على تنفيذ البنية التحتية وبناء المساكن من خلال شركات المقاولات من دون أن يمتد هذا الدور إلى تولي القطاع الخاص عملية التمويل والتنفيذ بشكل مستقل ومن خلال اتفاقيات مع الدولة كما هو مطبق في العديد من الدول، حيث تخصص الدولة أو تبيع مساحات من الأراضي إلى القطاع الخاص؛ ليتولى تطوير هذه الأراضي وإنشاء البنية التحتية من شبكة المياه والصرف الصحي وشبكة الكهرباء والطرق، حيث تتعاون الشركات العقارية ومؤسسات التمويل لتنفيذ مشاريع إسكانية متكاملة دون أي مساهمة مالية من الدولة، التي يقتصر دورها على الجانب الرقابي. وفي الدول التي تتبنى سياسة دعم إسكان المواطنين يكون دورها هو توفير الأراضي وتحمل تكلفة عملية التمويل أو الجزء الأكبر منها.
إن تولي القطاع الخاص دوراً أساسياً في تمويل عمليات إسكان المواطنين طرح بشكل رسمي على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وأبدت مؤسسات وشركات عدة في القطاع الخاص استعدادها لتولي عملية توفير السكن للمواطنين وإنشاء البنية التحتية وبناء المرافق العامة، على أن تخصص الدولة مساحات من الأراضي، إضافة إلى الاتفاق على آلية بيع المساكن أو القسائم على المواطنين وطريقة تحمل الدولة لتكاليف التمويل، الذي يتم من خلال البنوك، ولكن للأسف تعثر تنفيذ ذلك على أرض الواقع، لتستمر القضية الإسكانية محل تجاذب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وليستمر صرف المزيد من المليارات من دون مبرر، والدولة الآن مطلوب منها أن تخصص ٣٦ مليار دينار لتمويل قروض المواطنين وبناء عدد من الوحدات السكنية، إضافة إلى تسديد مستحقات المقاولين عن مشاريع سابقة، كما نشرت جريدة القبس في عددها الصادر بتاريخ ٦ فبراير الجاري. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستتمكن الدولة من توفير هذه الأموال، وهي تعاني من أزمة في السيولة وعجوزات في الموازنة، بينما كان بالإمكان توفير الجزء الأكبر من هذه الأموال من خلال بعض الترتيبات مع القطاع الخاص؟
إن الاستمرار في تنفيذ مشاريع الإسكان بالأسلوب الحالي هو هدر غير مبرر لأموال الدولة، ويجب البدء في أقرب وقت بوضع إطار مناسب لإدخال القطاع الخاص لكي يلعب دوراً أساسياً في تطوير المناطق والمشاريع الإسكانية ووفقاً لذلك فإن الدولة لا تنفذ أسلوباً غير مسبوق لتنفيذ مشاريع الإسكان، وإنما تطبق ما هو على أرض الواقع في دول أخرى، والموضوع يحتاج فقط إلى إطار قانوني مناسب وقرار، وإن كان هذا القرار متأخراً لعقود من الزمن، ولكن لا تزال هناك فرصة لتنفيذه، وبالله التوفيق.
د. خالد محمد بودي
https://alqabas.com/article/5875728 :إقرأ المزيد